تربية الذوق العام رسالة من رسائل الأدب وغاية من غاياته، وهي مؤشر إلى رقيه وانحطاطه، والأديب أو الشاعر الماهر هو الذي يستطيع أن يمتع الناس بما يريد لا بما يريدون، ولا يرضخ لما يطلبه القارئون أو المتلقون بدعوى أن هذا هو اللون السائد الذي يلقى رواجاً، فيلجأ إليه خوفا من كساد نتاجه وانصراف الناس عنه.
وانصراف الناس عن الأدب الراقي ليس عيباً فيه، إنما هو عيب في أذواقهم التي لوثتها آداب هابطة - إن جاز لنا أن نطلق عليها آدابا أصلا- والجناية الكبرى التي يرتكبها المشتغلون بالأدب الاستسلام لأهواء الجمهور وإرضاء أمزجتهم فيضفون بذلك الشرعية على ما تأباه الأذواق السليمة فيضحي من المألوف ويبيت غيره غريباً وإن كان صاحب البيت.
فالتمسك بالأدب الراقي في حد ذاته أدب، وهو صون لكرامة الأدب، وإن انصرف الناس عنه فإنهم حتما إليه راجعون وإن طال الأمد، لأن هذا من سنة الله في الخلق {... فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ...} (الرعد: 17)، وبذلك يكون المتأدبون قد أخذو بأيدي الناس إلى الرشاد وانتشلوهم من الآداب الآسنة بدلاً من أن يقعوا فيها معهم، فليروج إعلامنا مقروءاً ومسموعاً ومرئياً لكل ما هو راق من الأدب وغيره، وليتجنب الإسفاف والهبوط حفاظاً على الذوق العام.