أسئلة تدور حول مصرف الزكاة، مصرف "في سبيل الله" هل يندرج تحت هذا المصرف إنشاء المدارس والمراكز الإسلامية والمساجد وغيرها أم أنه محصور فقط في الجهاد؟
القرضاوي:
جمهور الفقهاء فسروا هذا المصرف الذي جاء في الآية رقم 60 من سورة التوبة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) والمصرف السابع في هذه الآية من المصارف الثمانية هو "في سبيل الله" ما المراد بسبيل الله؟ جمهور الفقهاء قالوا أن "في سبيل الله" أي في الجهاد، لأن هذه اللفظة اشتهرت في النصوص الشرعية، إذا قيل "في سبيل الله" أي في الجهاد، كما قال سيدنا عمر "حملت على فرس في سبيل الله" يقصد في الجهاد، ورأى الصحابة رجلاً جلداً نشيطاً مفتول الذراعين فقالوا "لو كان جلده ونشاطه في سبيل الله" يقصدون لو استعمل هذه القوة البدنية في الجهاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كان يسعى على أبوين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أولاده فهو في سبيل الله..الخ"، فيعتبر هذا بمثابة الجهاد، فالفقهاء صرفوا هذا المعنى إلى الجهاد، "في سبيل الله" أي في الجهاد، ولكن ورد عند بعض مفسري السلف قالوا أن "في سبيل الله" يشمل كل مصلحة للمسلمين دينية أو دنيوية، يشمل سائر القُرب وسائر المصالح، الشيخ رشيد رضا قال "في سبيل الله" يقصد المصالح التي تعود على الدين بالقوة وعلى الدولة بالقوة، وهي المصالح العامة التي من شأنها أن تعلي كلمة الإسلام، وليست أي مصالح، كما جاء في الحديث عندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم "الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل حمية ـ عصبية ـ والرجل يقاتل ليُرى مكانه ـ ليقول الناس عنه هذا بطل من الأبطال ـ، فأيهم في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" فكل عمل من شأنه أن يعلي كلمة الإسلام فهو في سبيل الله، وهذا اختاره الشيخ شلتوت أيضاً في تفسيره وأنا لي تفسير قريب من هذا أو ترجيح، أقول: أنا مع الفقهاء في أن "في سبيل الله" هي الجهاد وإلا لشمل كل هذه المصارف، إذا كان "في سبيل الله" كل طاعة فيدخل فيها الفقراء والمساكين والعاملين عليها.. فهي كلها طاعات، فما السر في التنويع؟ لابد أن يكون للتنويع معنى، البليغ لا يصدر كلامه على عوائنه، وإنما يقصد بكل كلمة معنى، فكيف بأبلغ الكلام وهو كلام الله المعجز فلذلك أنا مع جمهور الفقهاء أن المراد "في سبيل الله" هو الجهاد ولكني أتوسع في تفسير معنى الجهاد، ما المقصود بالجهاد؟ هل الجهاد فقط هو الجهاد العسكري أي الجهاد بالسلاح؟ نحن نعرف أن الأمة الإسلامية الآن أعظم ما تشكو منه هو ما نسميه الغزو الفكري، الغزو الثقافي، الغزو الاجتماعي، هذا الغزو هو أشد من الغزو العسكري، فنحن أيضاً المفروض أن نحاول أن نجاهد في سبيل الله عن طريق الناحية الفكرية والناحية الثقافية والناحية التربوية، فقد يكون إقامة مدرسة إسلامية هي من الجهاد، لأنك تحافظ على الشخصية المسلمة للأولاد وتقاوم المدارس التبشيرية والتنصيرية، وهكذا. وقد يكون إقامة مسجد في بلد معين هو في سبيل الله خصوصاً البلاد الفقيرة، في بنغلادش وفي الهند ففي بعض البلاد الناس يصلون في أماكن لا تتسع لهم، يصلون في الشارع يصلون في مساجد غير لائقة، ولا يجدون فيها ماء يتوضأون منه، فعندما تقيم مسجداً فأنت تحافظ على الشخصية الإسلامية، كأن المسجد في هذه الحالة قلعة للجاليات الإسلامية، أحيانا يكون المسلمون أقلية وتجد إنشاء المسجد وإنشاء المدرسة وإنشاء مركز إسلامي يساعدهم على ذلك، ولذلك المجمع الفقهي اعتبر الدعوة أيضاً من الجهاد في سبيل الله اعتبر ما ينفق على الدعوة إلى الله هو من مصرف "في سبيل الله"، والله سبحانه وتعالى حينما قال (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاد كبيراً) "به" تعود إلى القرآن، أي أن هناك جهاداً بالقرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول "جاهدوا المشركين بأيديكم وأموالكم وألسنـتكم" يعني الجهاد بالدعوة والبيان فهذا ممكن لإنشاء المدارس والمساجد ومراكز الدعوة ونشر الكتب الإسلامية وتفريغ دعاة إلى الله وخصوصاً في الأماكن المحتاجة إلى هذا، فأنا لا آتي إلى أبوظبي التي فيها مساجد كثيرة ما شاء الله، وإنما أذهب للبلاد المحتاجة وأقيم فيها مسجد فأنا هنا أحصن المسلمين، أبني حصناً بالمدرسة وبالمسجد وبالمكتبة الإسلامية وبمركز الدعوة لأني أقيم قلعة إسلامية للدفاع عن الإسلام والحفاظ على الشخصية الإسلامية من التيارات الهدامة.